اعقلها وتوكل.. محاولة للفهم



   هجرة خير المرسلين عليه الصلاة والسلام مع صاحبه الصديق رضي الله عنه، كانت باختصار شديد، عبارة عن عمل وتخطيط بشري بحت، مع رعاية ربانية في بعض جوانبها. ولو لم تكن عملاً بشرياً محضاً، لم يكن ليضطر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وصاحبه، للتألم ومعاناة مشقة السفر في الصحراء، مع مشاعر متنوعة من الترقب والقلق والخوف.. فالهجرة إذن، عمل بشري، وتطبيق عملي لمقولته - صلى الله عليه وسلم - اعقلها وتوكل.
     حديث الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام:" اعقلها وتوكل".. دعوة للأخذ بكل الأسباب الميسرة والمشروعة عند التخطيط لعمل ما، ثم بعد ذلك تتوكل على الله وتتخذ قرارك وتنفذ الأمر، فستجد التوفيق والنجاح أمامك وحليفك بإذن الله. فهكذا كان النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وهكذا خطط لأعظم رحلة بشرية في التاريخ، رحلة الهجرة.

   النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، لم يقرر هكذا فجأة الهجرة للمدينة، أو قام وحدث صاحبه بها وانطلقا من فورهما. لا، لم يحدث الأمر بالسهولة التي درسناها في الكتب المدرسية وأمثالها كثير. الأمر كان فيه ما نسميه اليوم بالعمل الاستراتيجي أو الخطة الاستراتيجية. حيث وضع الهدف، ثم درس كل الفرص والمخاطر، ووضع الوسائل والبدائل، وترك أمر الوقت أو ساعة الصفر للسماء. وهذا ما حدث فعلاً. ومن يدرس السيرة أو قصة الهجرة بدقة، سيدرك هذا تماماً.  

  اعقلها وتوكل. جملة مختصرة يمكن اعتبارها من المبادئ المهمة في عالم الإدارة والتخطيط. كما أنها تتوافق تماماً مع مبدأ آخر هو الإتقان في العمل، كما جاء في الحديث الصحيح:" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه". إنك إن أحسنت التخطيط ثم أتقنت التنفيذ، فالنتائج غالباً تكون محمودة ومرضية. هكذا هو المنطق الإداري الصحيح.

  اتخذ كل الأسباب والخطوات اللازمة لتحقيق أهدافك، ثم بعد ذلك تستودعها الله وتطلب العون والتوفيق منه سبحانه - خالق الأسباب ومدبرها - وانظر بعد ذلك ماذا ترى. وهذا هو لب حديثنا وخلاصته.

  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق